علامات استفهام بخطاب مرسي بالأمم المتحدة: اعتراف بالاتفاقيات مع إسرائيل مغازلة قطر ومهاجمة أوباما

حسنين كروم للقدس العربي
رغم كثرة الأخبار والموضوعات في صحف مصر امس والتي يزاحم بعضها البعض فأنا اعتقد أن أهمها على الترتيب هو حضور الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والفريق صدقي صبحي رئيس الأركان المناورة رعد 21 في الصحراء الغربية ولقاؤه مع شيوخ القبائل. وأما 'الحرية والعدالة' صحيفة حزب الإخوان المسلمين الحاكم فقد واصلت موقفها الرافض لنشر أي أخبار أو تصريحات لوزير الدفاع ورئيس الأركان، وهو ما قد يشير إلى انهم يدبرون شيئاً للقيادات العسكرية - الله أعلم - لكن لا يمكن بأي حال أن يحدث ذلك من الصحيفة إلا بتعليمات من مكتب الإرشاد أولا. وأما الخبر الثاني فهو كلمة الرئيس محمد مرسي أمام الأمم المتحدة وقد حرصت على سماعها ومشاهدتها كاملة بعد ان أغلقت باب الغرفة عليَّ حتى لا يدخل عليَّ أحد ويجذب انتباهي بعيدا عنه، وأول ما لاحظته استخدامه عبارة الوطن العربي وتحديده من المحيط الى الخليج، وكان من قبل قد بدأ يكثر من استخدام كلمة القومية العربية ليبتعد تدريجيا عن حكاية الخلافة والفتح الثاني لمصر التي روج لها هو والمرشد، كما انه غمز أوباما بتركيزه على انه بعد الثورة انتهى عهد الاملاءات وكان أوباما في خطابه قد غمزه عندما أكد على قضايا الأقليات وأن هناك ديمقراطية في أمريكا تمنع التدخل في آراء الناس، رغم رفض المجتمع الأمريكي لها ورفض الهجوم على أصحاب الديانات. ايضا حاول مرسي مغازلة أمير قطر عندما أكد ان اللجنة الرباعية لحل المشكلة السورية المكونة من مصر والسعودية وإيران وتركيا مفتوحة، أي ان قطر ممكن أن تنضم إليها لكنه أعاد التأكيد على رفض التدخل الأجنبي وأرضى أمريكا والأوروبيين بالمطالبة بتنحي الأسد، وأخيراً فإنه بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد ركز على وقف الاستيطان وضرورة وقفه وحقوق الشعب الفلسطيني، لكنه لم يطالب بتطبيق قرارات الأمم المتحدة - خاصة القرار 242 بعودة الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 67 مما يعكس موقف الجماعة من عدم الاعتراف بالقرارات الدولية في هذا الشأن رغم انه والجماعة يؤكدان عشرات المرات علنا وفي الاجتماعات مع الأمريكان والأوروبيين احترام الاتفاقيات الموقعة وطبعاً مع إسرائيل واعتراف مصر بها.
وإلى بعض مما عندنا:

الحرية والعدالة: الانشقاق
في حزب النور السلفي

والخبر الأخير كان قيام صحيفة الإخوان 'الحرية والعدالة' بنشر خبر الانشقاق في حزب النور السلفي وقرار الهيئة العليا عزل رئيسه عماد عبدالغفور وتعيين مصطفى حسين خلفاً له وارساله الى لجنة شؤون الأحزاب. وأبلغت اللجنة عماد وهو قي نفس الوقت مساعد رئيس الجمهورية، لكن الجريدة لم تنشر باقي الخبر الذي نشرته الصحف الأخرى وهو ان عبدالغفور أكد بطلان القرار ووقف الانتخابات التي تمت وعزل الفريق الآخر، وهو ما يعني تورط حزب الإخوان في عملية الانشقاق وسعادته بما أصاب الحزب التالي لهم في القوة داخل مجلس الشعب المنحل والذي أيد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة.
والموضوع الأخير الهام كان الذكرى الثالثة والأربعون لوفاة خالد الذكر، وقد نشرت 'التحرير' قصيدة لصديقنا والشاعر الموهوب عبدالرحمن الابنودي عنوانها موال الجمال، قال فيها بعد أن مسح بمنديله دمعتين:
اللي مضى وذمته مثل جميل يتقال
أما هي نادرة في مصر حاكم يطلع ابن حلال
وده عشقته فلاحيين طلبة جنود عمال
وخاض معارك جسام مين طلع الاحتلال؟
مين اللي صحى الشعوب تكسر الأغلال
ويبخوا أكاذيب في سيرته يسمحوا الأجيال
من بعدما شفنا غيره فهمنا عهد جمال
أبو النضال باني سد العزة في أسوان
اللي استرد الكنال في خطبة م البريطان.
هذا وأتوقع ان يخرج الإخوان علينا بأغنية مضادة لأغنية عبدالحليم حافظ عن السد العالي يقولون فيها قلنا هنبني وآدي احنا بنينا النهضة يا صندوق النقد الدولي ادينا قرض وخد الربا.. تللم ترللم.

هل سمعت حضرتك الدكتور مرسي
وهو يتكلم عن المانجا؟

والى الرئيس واشتعال المعارك الدائرة حوله دفاعا عنه أو هجوماً عليه، وتشتد هذه المعارك في كل مرة يتحدث فيها وآخرها الحديث الذي أذاعه له 'التليفزيون المصري'، وقال عنه يوم الاثنين زميلنا في 'اليوم السابع' محمد صلاح العزب: 'هل سمعت حضرتك الدكتور مرسي وهو يتكلم عن المانجا؟ الدكتور مرسي طمأن الجالية المصرية في إيطاليا قال لهم بالنص: 'المانجو وصلت لثلاثة جنيهات والعويس بعشرة والمحصول جيد' اللهم لك الحمد والشكر يارب مشروع النهضة إذن طائر له رأس وذيل وجناحان ويعمل على تخفيض أسعار المانجة هل تعلم حضرتك بقى إن كرتونة البيض وصلت ستة وعشرين جنيها؟ وأن الطماطم بقت بـ7 جنيهات؟
وأن أقل نوع خضار فوق الـ5 جنيهات؟ الرائع والأروع هو اتجاه الحكومة لرفع الدعم عن بنزين 92 و95 حاليا تمهيدا لرفعه قريبا عن بنزين 80 و90 والسولار وهي الجريمة التي لم يجرؤ نظام مبارك رغم جحوده وجبروته على ارتكابها لأن ارتفاع أسعار الوقود معناه إشعال النار في أسعار كل السلع والخدمات السؤال المنطقي الآن: هل خرج الملايين إلى الشوارع في 25 يناير ومات آلاف الشهداء وترملت آلاف الزوجات وتشردت آلاف الأسر وتيتم آلاف الأطفال من أجل صعود مرسي إلى كرسي السلطة لإلغاء الدعم وإفقار المواطنين ورفع أسعار السلع والتسول من صندوق النقد الدولي؟'.

مرسي ينسب
تحسن المناخ لإنجازاته

وبعد أن انتهى من هجومه واصله زميله وائل السمري بقوله والشرار يتطاير من عينيه وقد رأيته من صورته المنشورة قال: 'في حديث مرسي مع التليفزيون المصري قال مستعرضاً انجازاته إن منسوب النيل قد زاد عن المتوقع، كما أن محصول القمح زاد 1.5 مليون طن، بالإضافة إلى أن محصول المانجو زاد أما الأرز، فقد زاد ايضا ووصل الى 8 ملايين طن وهذا ما اعتبره السيد الرئيس من إنجازاته. وبنظرة متأنية لهذه الأرقام نجد أن مرسي يفتري على الله والتاريخ فهذه الزيادات نتيجة مجهود سنوات قبل أن يحلم مرسي بأن يصبح حاكماً على مصر، فمعروف أنه ليس لأحد فضل 'إلا الله' في مسألة زيادة منسوب النيل فهو الذي يرسل المطر وهو الذي يجري الأنهار.
أما زيادة محصول القمح هذا العام بمقدار 1.1 مليون وليس مليون ونصف كما قال مرسي فهو راجع إلى سياسة وزير التموين السابق جودة عبدالخالق الذي يجتهد الإخوان الآن في تشويهه لخلافهم السياسي معه وكشفه تهريب النواب الإسلاميين للسولار والبنزين، فجودة عبدالخالق هو الذي رفع سعر توريد القمح منذ الموسم قبل الماضي ونتج عن ذلك زيادة مساحات الأراضي المزروعة بحوالى أربعمائة ألف فدان الى ان وصل التوريد الى 3 .2 مليون طن خلال العام الجاري مقابل 2.6 مليون طن العام الماضي، أما عن زيادة انتاجبة الأرز، فالشهادة لله أن مصر تشهد انتعاشا في انتاجية الأرز من العام 2006 وهذا ما أقرته الأمم المتحدة'.

حقيقة الدور القطري
في مشاريع الرئيس

أما الجميلة وزميلتنا في 'المصري اليوم' نشوى الحوفي فقد طلبت مني أن أقرأ مقالها في اليوم التالي - الثلاثاء - لأنها ستقول فيه قولاً عجباً من نوع: 'ألم يتسن لك أن تحدثنا عن نتائج جولاتك الخارجية ولقاءات الرؤساء فيها؟ ألم تفكر للحظة واحدة أن تشرح لنا حقيقة الدور القطري في كل المشاريع التي أعلنت عنها مؤخرا في السودان وقناة السويس تحت إشراف عصام شرف والشاطر وحسن مالك خاصة وأنت تعلم أن بقاء أمير قطر على مقعده مرهون بالرضاء الأمريكي؟
ألم يحدثك ضميرك بأن تفسر لنا تلك الجملة الغامضة التي صرخ بها وزير الإسكان عن إحياء مشروع الممر الأفريقي، وكيف نحمي حدودنا وأراضينا من أي اختراق غربي تحت مسمى هذا المشروع؟
ألم تشعر بحاجة المصريين للاطمئنان على سيادة سيناء وحمايتها في ظل ما يقال عن مفاوضات سرية بين الشاطر وحماس لإقامة منطقة حرة بين غزة ومصر وهو المشروع الأمريكي القديم؟ ألم تشعر بمسؤوليتك في الرد على كل هذا يا جناب الرئيس؟!.
عانينا في ظل حزب ادعى 'الوطنية' ومازلنا نعاني في ظل جماعة ترفع 'شعار الإسلام' فلا يحق لنا أن نفهم أو نسأل أو نجادل حتى لا نقع في المحظور أو ندخل دائرة الكفر بالنعمة المهداة، جناب الرئيس قلتها لك وأكررها أنت الوجه الآخر لـ'شفيق' ولذا رفضتكما معاً'.
مرسي حافظ
على إعلام مبارك واستغله

وحديث الرئيس في 'التليفزيون المصري' استفز كذلك الأديب الكبير علاء الأسواني فقال في نفس عدد 'المصري اليوم' مهاجماً مرسي، وكان قد انقلب عليه من مدة بعد ان كان من كبار مؤيديه: 'كان بالضبط نسخة من لقاءات مبارك، الرئيس يجلس بشموخ ويبدو راضياً عن نفسه تماماً وأمامه مذيع يكاد يرتعد من الخوف لأنه يعلم ان كلمة واحدة تخرج منه امام الرئيس قد تضيع مستقبله أو تقضي عليه.
المذيع يسأل الرئيس أسئلة مائعة والرئيس يجيب بشعارات جوفاء لا تعني شيئاً وفجأة يتطلع المذيع الى وجه الرئيس بانبهار ويقول:
- سيادتك تتعب كثيرا من أجل مصر متى تستريح يافندم سيادتك؟
لقد حافظ الرئيس مرسي على إعلام مبارك الفاسد وراح يستغله لمصلحته'.

سعر المانجا من
اهم انجازات الرئيس

أما في 'نهضة مصر' اليومية المستقلة فإن رئيس تحريرها التنفيذي زميلنا محمد الشبة كان في شدة الغيظ من الرئيس بسبب المانجا فقال عنه في نفس اليوم: 'كان من المنطقي جداً أن يتحدث الرئيس مرسي عن 'المانجة' في أول حوار للتليفزيون الرسمي بعد توليه الحكم لأن سعر المانجة الذي قال إنه أصبح أرخص في عهده يعتبر في رأي خبراء الإخوان الاقتصاديين من أهم انجازات عصر النهضة، وبعد حوار بلا روح استغرق نحو مائة دقيقة سلمت أسئلته للمذيع من سكرتارية الرئاسة خرج المشاهدون بلا معلومة عن أي شيء وبلا أمل في أي شيء، كان حوارا في المشمش ومن طرف واحد وأهم ما فيه المانجة وكان خالياً من اللحمة لأنها مستحيلة ومن الصلصة لأن سعر الطماطم في عهد الرئيس مرسي يقترب من عشرة جنيهات، وكأن المواطن المصري الغلبان الذي لا يأكل ولا يعرف مانجة الرئيس ربما هو الغائب الوحيد عن الحوار لأن سعر الإنسان في مصر أصبح أرخص من سعر المانجة! والمشكلة في رأيي هي أن الرئيس مرسي معذور عندما يلجأ للكلام عن المواطن وبشكل سطحي في قضايا رئيسية لأن الرجل يحكم بلا برنامج ولا رؤية ولا خيال هو كذلك وحكومته ايضا ممثلة تعمل باليومية.
ويبدو أن الرئيس نسي أن كثيراً من الناس قد لا تحب المانجة أو تسبب لهم حساسية، ثم أنه لم يقل لنا في حواره التاريخي هل المانجة التي كان يقصدها عويسي أم فونس أم هندي؟!'.
ويبدو - والله أعلم - فأنا لا أستطيع أن أقطع بشيء فإن الشبة سمع من زميلنا الرسام الكبير بجريدة 'روزاليوسف' أحمد دياب أن قريباً له يوم الثلاثاء قدمت له زوجته على الغذاء مانجو فقال ساخطاً.
- يوووه هو كل يوم مانجة؟ مش طاااااافح.

مهابيل السياسة ومخابيل الوطنية

ونترك هؤلاء الحاقدين الرافضين إلى المؤيدين للرئيس والمرحبين به ومنهم الإخواني المصري الموجود في الكويت والذي لا أعرف ان كان قد صدر عفو عنه وعاد الى مصر أم لا.
وان كنت أتمنى أن يعود إلى بلاده وهو الدكتور توفيق الواعي الذي قال يوم الاثنين في 'الحرية والعدالة': 'مهابيل السياسة ومخابيل الوطنية الذين ظنوا أن التقدم صياعة والريادة فنون من الجنون فأخذوا يملأون الدنيا صراخاً ونباحاً وساعدهم على ذلك فراغ الساحة الخالية من أحزاب حقيقية وريادات فكرية وقد عاشت ردحاً من الزمان في سحابات عقيمة سوداء وطروحات وشطحات خالية من الحقائق والبينات، فحسب المخبول انه سراج الهداية وعلم الريادة ومطلوب من الرئيس الفاضل ستر فضائحهم حتى يفيق الغافل ويرتدع الخاطىء وذلك ان كانوا من أهل الإفاقة فإن الصبر على جهلهم وسفههم قد يكون من وسائل التربية والفساد الشامل ويتمثل في الفساد الفكري والفساد الإداري والفساد السياسي، وأمتنا اليوم مصابة بكل ذلك وتخليها عنه يحتاج الى نفوس تواقة للشفاء، كل ذلك قد علق في رقبة رجل مخلص تعانده قوى الظلام كلها وتتربص به شياطين الأنس والجن، فالله حسبه ودعوات الصالحين في ركابه وعناية الله تحوطه وترعاه وتعينه.
عندما كان يوسف في السجن كان يوسف الأحسن بشهادة صاحبيه 'إنا نراك من المحسنين' لكن الله أخرجهما قبله! وظل هو - رغم كل مميزاته - بعدهما في السجن بضع سنين! 'الأول: خرج ليصبح خادماً' و'يوسف انتظر كثيراً'!
لكنه خرج ليصبح 'عزيز مصر' ليلاقي والديه وليفرح حد الاكتفاء وينقذ الله به أمة من الجوع ويثبت به حقائق الإيمان فإلى كل أحلامنا المتأخرة 'تزيني اكثر' فإن لك قال: 'يوسف'.

اعطوا مرسي فرصة للإصلاح!

وفي اليوم التالي - الثلاثاء - نشرت 'الأخبار' لزميلنا مجدي عبدالغني دفاعاً عن الرئيس جاء فيه: 'كان الله في عون الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني جاء بالانتخاب رئيساً لمصر ومنذ توليه السلطة واجه الرجل ضغوطاً خارجية وضغوطاً داخلية، وفجأة تحول الشعب المصري بكل فئاته ثائرا على أوضاعه طالبا رفع الظلم عنه وفورا، وطالب الجميع بزيادة الرواتب وطالب الجميع بتطهير جميع المؤسسات من الفساد وطالب الجميع بعودة الأمن في جميع الشوارع بمحافظات مصر، وتناسى الناس أنهم صمدوا ثلاثين عاما عانوا فيها ما عانوا ويريدون في يوم وليلة أن تتحقق كل الآمال والأحلام، ولم يفكر أحد من رجال الدين أو الإعلاميين أو الصحافة أو الفضائيات صاحبة المشاكل والمهاترات اليومية في برامجها أن يساعدوا الرئيس مرسي في دفع الشعب نحو العمل والانتاج. أقولها حقيقة ان الرئيس مرسي يبحث هو ورجاله عن طريق لجعل الشعب يعرف الحقيقة وينهض من غيبوبته لتبدأ المشاريع والخطط الجديدة لتشغيل الشباب وزيادة موارد مصر من السياحة والاتجاه إلى التصنيع وزراعة الأرض بعد أن هجرها كثير من المزارعين.. حقا أن مرسي يواجه الأيام الصعبة؟!'.

هجمات ضد الدعاة
للوحدة العربية والوحدة المغاربية

وإلى المعارك والردود المتنوعة التي يضرب أصحابها في كل اتجاه لا يلوون على شيء، ذلك ان صاحبنا المغربي عبدالقادر محمد الإدريسي عاد ليتحفنا في 'اللواء الإسلامي' بمعلومات عن وطنه الذي لا يعرف عنه شيئاً ليخرج منها بنصائح وهجمات ضد الدعاة للوحدة العربية والوحدة المغاربية ايضا، قال وهو يغمزنا بطريقة غير مباشرة: 'وطن كاتب هذا المقال هو المملكة المغربية ووطن الكويتي هو دولة الكويت ووطن التونسي هو الجمهورية التونسية والعرب جميعاً يشكلون اثنين وعشرين وطنا وليس 'وطناً عربياً واحداً' فنحن دول عربية ولسنا دولة واحدة والجامعة هي 'جامعة الدول العربية' وليست الجامعة العربية.
وعبث كل العبث قولهم 'الدولة القطرية' و'الدولة القومية' ويعدون الدولة القطرية نشازا وأمراً مؤقتا هو الى زوال حين تنشأ الدولة القومية الواحدة، فهذا من الأوهام التي روج لها الحالمون والمغامرون من الانقلابيين سواء أكانوا بعثيين أم ضباطاً أحرارا أم قوميين عرباً وغيرهم الذين هم من أفسدوا العقل العربي وأفسدوا الحياة السياسية العربية وقلبوا الحقائق أوهاماً وبدلوا الأوهام حقائق وعاثوا في العالم العربي فسادا لا نزال نجني ثماره المرة حتى اليوم، فلو أخلص كل مواطن الى وطنه وقوى انتماءه إليه دون غيره بحيث يكون المغربي 'مواطنا مغربياً' ويكون السعودي 'مواطنا سعوديا' على سبيل المثال لا 'مواطنا عربيا' افتراضيا يعيش في 'وطن عربي' هذا على مستوى العالم العربي بصورة عامة، فماذا على مستوى المغرب بصورة خاصة؟ إن المغرب مستهدف مثله مثل الدول العربية الإسلامية جميعاً، مستهدف في وحدته وفي تماسكه وفي سيادته واستقلاله وفي أمنه واستقراره وفي تنميته وفي تجربته السياسية المتميزة، مستهدف في نظامه السياسي القائم على الملكية الدستورية في عرشه الذي فيه الملاذ وإليه اللواذ، فبلدنا مستهدف بأشكال شتى من التفتيت للنسيج الوطني بقدر ما هو مستهدف بتمزيق وحدته الترابية والتفتيت من هذا النوع فكرياً ولغوياً وعرقياً ومذهبياً ودينياً هو المقدمة لتمزيق الوحدة الترابية، لا يكون هناك من وسيلة للإنقاذ وللحفاظ على الذات ولحماية الكيان سوى الامتلاء بـ'الأنانية الوطنية' إلى حد الإشباع'.
وهو يريد الإشارة هنا إلى الجزائر ومشكلة الصحراء وجبهة البوليزاريو كما يشير الى اشتمال المغرب على عرب وبربر وهو تكوين يمتد إلى الجزائر أيضاً وإلى ليبيا وتونس بدرجة اقل، ويخلص من ذلك الى المطالبة بانكفاء كل دولة على نفسها، ولا يدري صاحبنا من تاريخ بلاده الحديث والحال شيئاً ذلك أن بلاده عضو في اتحاد مغاربي يضمها مع الجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا ولديه خطط للوحدة الاقتصادية لتتطور الى وحدة سياسية. صحيح أن المشروع توقف مدة بسبب مشكلة البوليزاريو والصراع الجزائري - المغربي لكنه موجود وتتم من مدة محاولات لبعث الحياة في اتفاقياته للتكامل الاقتصادي والدعوة لوحدة دول المغرب العربي القديمة، وكانت شعوب المغرب والجزائر وتونس بالتحديد تطالب بها حتى وهي خاضعة للاحتلال الفرنسي وتؤمن بها كل الحركات الإصلاحية والأحزاب السياسية حتى وهي تقاتل الاستعمار الفرنسي، وعليه أن يراجع تاريخ حزب الاستقلال بزعامة علال الفاسي أو الحزب الدستوري بزعامة بورقيبة في تونس أو جبهة التحرير الجزائرية وعليه أن يعرف انه كان في القاهرة في شارع شريف مكتب المغرب العربي منذ أيام الملك فاروق وثورة يوليو 1952 وعليه أن يعرف أن كل دعاة الوحدة والقومية العربية والبعثيين والضباط الأحرار ساندوا المغرب في قضية الصحراء بقوة حفاظاً على وحدة أراضيه ومن منطلق قومي أيضاً لرفض تجزئة دول عربية بل ورفضوا الاعتراف بدولة موريتانيا لأنهم كانوا يؤيدون موقف المغرب منها في البداية باستثناء الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، ولم يوافقوا على ضمها الى عضوية الجامعة العربية إلا بعد موافقة المغرب. أهذا هو الكاتب الذي يفتي فيما لا يعرفه من تاريخ بلاده الذي عاشه بنفسه؟ ولديه جرأة لأن يغمزنا بعبارته الضباط الأحرار - إشارة الى ثورة يوليو؟ ما هذه البلايا والرزايا التي ابتلينا بها؟

اضطهاد المثقفين
في فترة حكم عبدالناصر

والمعركة الثانية تسبب فيها زميلنا وصديقنا والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي نشرت له جريدة 'روزاليوسف' يوم الأحد حديثا أجرته معه زميلتنا سوزي شكري التي سألته عن اضطهاد المثقفين في فترة حكم عبدالناصر رغم وجود نهضة ثقافية فأراد الخروج من هذا المأزق بتفسير عجيب قال: 'المثقفون دائماً يواجهون حروباً وقمعاً، ففي الخمسينيات والستينيات السلطة كانت طغياناً سافراً، الشر الذي حل بالمثقفين لا يطاق هناك من دخلوا السجون والمعتقلات منهم صلاح حافظ وحسن فؤاد وزهدي وجمال كامل وجمال عبدالحليم وعبدالرحمن الخميس وغيرهم وحتى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وإلى وقتنا هذا لا يزال القمع مستمراً، فقد قاد الشيخ الغزالي مظاهرة ضد نجيب محفوظ عندما نشرت رواية 'أولاد حارتنا' عام 1961 وصلت الأمور إلى محاولة اغتيال نجيب محفوظ في التسعينيات واغتيال فرج فودة في التسعينيات ونفي الكاتب نصر حامد أبو زيد، ومع ذلك حدث ازدهار ثقافي في فترة الستينيات على يد تلاميذ طه حسين منهم عبدالرحمن الشرقاوي ولويس عوض ويوسف إدريس وليس مثقفي تلاميذ جمال عبدالناصر، ولابد ان نميز بين الازدهار الثقافي الذي حدث في الستينيات وبين النظام، هذا النظام الذي كان موجوداً في الستينيات لا يمكن أن يصنع ثقافة بالعكس هو الذي أدى الى الخراب الثقافي وما حدث أيام السادات في السبعينيات هو الذي دفع المثقفين للهجرة واستمروا مهاجرين لسنوات طويلة'.

حجازي لم يلمع
إلا في ظل ثورة يوليو

نفس الكلام الذي بدأه منذ ان عاد الى القاهرة قادماً من باريس التي كان يقيم فيها باعتباره موظفاً في الملحقية الثقافية العراقية أثناء حكم صدام حسين، وكان قد غادر القاهرة في بداية حكم السادات الى العراق للعمل فيه مع بدء هجرة فريق من المثقفين المصريين الناصريين واليساريين الى العراق والكويت والبعض الى دولة الإمارات، وعمل في صحف الثورة والجمهورية مدافعاً عن نظام حزب البعث وصدام حسين، ثم طلب نقله إلى باريس مع أسرته وتعامل معه النظام بكرم هائل وهو ما حدث أيضاً مع زميلنا وصديقنا الراحل احمد عباس صالح الذي انتقل من العراق الى العاصمة البريطانية لندن ليعيش معززاً مكرماً مع أسرته، وسوف أمسك لساني عن الكلام. وحجازي لم يلمع إلا في ظل ثورة يوليو وكتب القصائد في مدحها ومدح خالد الذكر وحتى الأدباء الذين ذكرهم وقال انهم كانوا تلاميذ طه حسين لم يلمعوا وتعرف أعمالهم الانتشار والسينما والمسرح إلا في عهد الطغيان، بل ان نجيب محفوظ نفسه لم يلمع وينشر إلا في هذا العهد، صحيح انه في فترة تعرض البعض للسجن بسبب انتماء للشيوعية وغيرها ولكنهم خرجوا وتقلدوا أرفع وأهم المناصب، ثم ما هو دخل عبدالناصر - آسف قصدي خالد الذكرـ بالاعتداء على نجيب محفوظ في عهد مبارك واغتيال صديقنا الدكتور فرج فودة وقضية الدكتور نصر حامد أبو زيد - رحم الله الجميع - ومع ذلك لا أريد أن أعدد له المواقف التي ايد فيها كل من توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوي وغيرهم من كبار المثقفين القوانين المقيدة للحرية في عهد السادات والمظاهرة التي شاركوا فيها إلى قصر عابدين وبرقيات التأييد للعزل السياسي في يونيو 1978 لكن الذي اتعجب له هو كيف يمكن لنظام أدى للخراب الثقافي ان ينشىء ازدهارا؟ إذا أراد حجازي أن يطلق من وقت لآخر قنابل دخان لإخفاء تأييده لثورة يوليو وزعيمها ولحزب البعث وصدام حسين فليس بمثل هذه الأساليب.

الفرق بين التيار
الشعبي والسرسوب الشعبي

كما أدهشني إلى حد ما يوم الاثنين انقلاب زميلنا بـ'الأخبار' حازم الحديدي من ساخر من الإخوان ومهاجم لهم الى مدافع عنهم ومهاجم للتيار الشعبي الناشىء من أجل عيونهم بقوله: 'الفرق بين التيار الشعبي والسرسوب الشعبي هو نفسه الفرق بين ما حدث وما كان يجب أن يحدث في المؤتمر التأسيسي الأول للتيار الشعبي، ما حدث ان التيار الشعبي قدم نفسه لأول مرة 'تخيلوا' على أنه تيار شعبي إلا حتة وبدا واضحا أن الحتة دي هي الإخوان 'طبعاً' هذا ما حدث بينما كان يجب أن يحدث عكس ذلك 'تماما' لأنه ما يصحش ولا يجوز ووحشه في حق التيار الشعبي أن يبدأ حياته بتغييب الشعب 'ما تجيش'، قليل من الوعي يا أهل التيار لا تستهلكوا طاقتكم وطاقتهم وطاقتنا في بناء تلك الجدران 'الكريهة' التي تعزلنا وتفرقنا والتي أثق أننا جميعا سننجح في إزالتها وتدميرها إذا ما تعلمنا كيف نكون قوى معارضة لا قوات معادية والفرق بين العداء والمعارضة هو نفسه الفرق بين ما فعله وما كان يجب أن يفعله 'التيار الشعبي' الذي أتمنى له كل التوفيق والرشد والسداد وربنا يكفينا شر السرسوب'.

العمال الذين حملوا لواء
الثورة يمزقون اليوم علم الثورة

ويذكرني انقلاب حجازي بانقلاب المرحوم سيد قطب على ثورة يوليو مع خلاف في التوجه وقد ذكرتنا جريدة 'الأهالي' مشكورة يوم الأربعاء قبل الماضي بمقال كتبه قطب في مجلة الإذاعة بتاريخ 23 اب/ اغسطس سنة 1952 ضد إضراب عمال شركة كفر الدوار والذي أدى لإعدام خميس والبقري.
قال قطب: 'لا اريد أن أصدق أن العمال الذين حملوا لواء الثورة منذ بدء النهضة هم الذين يمزقون اليوم علم الثورة أو يحاولون تمزيقه، أيها العمال إن الذي يخاطبكم اليوم رجل تعرفون إنه واحد من المكافحين مثلكم في صفوف الحرية، واحد من الذين هاجموا الطغيان في عنفوانه دفاعاً عن العرق والدماء التي تبذلونها ، هذا الرجل الذي كافح معكم يندى جبينه اليوم خجلا من بعضكم، خجلا من خيانة رتبة الوطن العظيمة لقد كان أقصى رجائنا ونحن نكافح الطغيان معكم ومن أجلكم بل كان أقصى خيالنا أن يقف الجيش على الحياد في يوم من الأيام فيتركنا نواجه الطغيان والطغاة نواجه الإقطاعية والرأسمالية نواجهها وحدها باسم الشعب ولحساب الشعب، ولكن الله جلت قدرته لم يشأ أن يتركنا وحدنا لقد تقدم الجيش تقدماً لا ليقف على الحياد في معركة التحرير ولا ليساهم فيها معنا بل لينهض بها في الطليعة ليحطم الطغيان ويطرد الطاغية، ليقوض أركان النظام الإقطاعي ليحطم الطغيان ويطرد الطاغية ليستخلص للمواطنين المعذبين في جحيم الإقطاع أرضهم التي رووها بالعرق والدماء واختلطت تربتها برفات الأجداد والآباء، تقدم ليقول للطبقات الكادحة في الشعب أنا منكم وأنتم مني. أيها الزملاء إن الذين يحرضونكم اليوم هم أنفسهم الذين امتصوا دماءكم بالأمس فحذار أيها الزملاء من أن تكونوا لهم مخلب قط، أقبضوا أنتم على من يسعون بينكم بالدسيسة،أنتم الذين يجب أن تقطعوا الأصابع الملوثة أصابع المستغلين والاستعماريين التي تتقدم الى بعضكم بالمال الحرام لتطعنوا قضيتكم وتخونوا أماناتكم. لا تصدقوا الخونة الذين يريدون أن يلوثوا جلال الحركة الوطنية، حركة الحرية حركة العدالة حركة الشعب وأنتم بناة الشعب أيها العمال'.
المهم انه عندما صدر الحكم بإعدام العاملين خميس والبقري عارضه من أعضاء مجلس قيادة الثورة كل من جمال عبدالناصر وخالد محيي الدين ويوسف صديق ووافق عليه الآخرون وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب.

مرثية للعمر الجميل

ولأن الذكرى تنفع المؤمنين فقد أراد زميلنا وصديقنا والشاعر عصام الغازي احد مديري تحرير جريدة 'الميدان' الاسبوعية المستقلة التي تصدر كل ثلاثاء بصفته مؤمنا ان ينفعني بصفتي مؤمنا كبيرا بأن ذكرني بما كتبه حجازي عند وفاة خالد الذكر، إذ أمسك منديلا يمسح به دموعه وهو يصرخ قائلا من قصيدة عنوانها

مرثية للعمر الجميل
هذه آخر الأرض
لم يبق إلا الفراق
سأسوي هناك لك قبراً
واجعل شاهده فرقة من لوائك
ثم أقول سلاماً
زمن الغزوات مضى والرفاق
ذهبوا جميعاً ورجعنا يتامى
هل سوى زهرتين أضمهما فوق قبرك
ثم أخرق عن قدمي الوثاق
انني قد تبعتك من أول الحلم
من أول اليأس حتى نهايته
ورحلت وراءك من مستحي الى مستحيل
إييه إييه شكرا لغازي لإحراجه حجازي