زكريا عزمي: كاتم أسرار حسني مبارك الذي سقط أخيرا

القاهرة – جمال عصام الدين: لايكاد يمر على مصر الان منذ ثورة الثلاثاء 25 يناير الا وعناصر واركان نظام حسني مبارك يتساقطون الواحد بعد الاخر سواء كان هؤلاء من رجال الاعمال الذين دخلوا الحزب الحاكم بدعم من نجل مبارك جمال والذين اقاموا علاقات زواج غير شرعية مع السلطة والنفوذ وسواء كانوا من السياسيين الذين افسدوا في الحياة السياسية المصرية من خلال اشباع نزوات مبارك الاستبدادية التسلطية وحصلوا في مقابل ذلك على احتكار للمناصب واستغلال للنفوذ وتحقيق ثروات هائلة من وراء ذلك.

ومن أشهر السياسيين الذي وقعوا سريعا بمجرد ان قرر مبارك التنحي عن السلطة مساء الجمعة 11 فبراير هو زكريا عزمي الرجل الذي يتولى منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية منذ عام 1989. وحسبما يقال فانه عندما قرر مبارك الرحيل اخيرا وقرر مغادرة القصر الرئاسي (قصر العروبة) في حي مصر الجديدة طلب من رئيس ديوانه وكاتم اسراره زكريا عزمي البقاء في القاهرة الا ان عزمي اصر على الرحيل مع مبارك الى شرم الشيخ قائلا "كتفي بكتفك يا ريس".

ومنذ مغادرة زكريا عزمي الديوان والقصر الجمهوري اللذان اصبحا الان في يد القوات المسلحة والمطالبات تتزايد بضرورة محاكمته وفحص ثروته وخصوصا بعد ان ظل رئيسا للديوان لمدة 22 عاما متواصلة. وقد قرر النائب العام في خطوة كبيرة تطال اول مسئول سياسي تنفيذي وينتمي للحزب الحاكم (حيث كان امينا عاما مساعدا للشئون المالية والادارية) احالة زكريا عزمي لادارة الكسب غير المشروع التابعة لوزارة العدل لفحص مصادر ثروته بعد ان واجه العديد من البلاغات بانه كون ثروة طائلة بطرق غير مشروعة مستغلا نفوذه وقربة من رئيس الجمهورية.

ويبلغ عزمي من العمر 73 عاما حيث انه من مواليد 26 يوليه 1938 وهو من مواليد احدي قري مركز "منيا القمح" التابعة لمحافظة الشرقية شرق دلتا النيل. التحق زكريا عزمي بالجيش عام 1960 بعد حصوله على بكالوريوس العلوم العسكرية عام 1960 وخلال خدمته العسكرية حصل على ليسانس كلية الحقوق من جامعة القاهرة عام 1965 وقد شارك في الحروب المصرية في اليمن في بداية الستينيات من القرن الماضي.

وبعد عودته حصلت النقلة الكبري في حياة زكريا عزمي حيث انضم الى الحرس الجمهوري عام 1965. ثم جاءت النقلة الكبري الثانية في حياة "عزمي" عندما قام انور السادات بالانقلاب على معارضيه من الناصريين عقب توليه رئاسة الجمهورية مباشرة بعد وفاة جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970. فقد قرر "زكريا عزمي" الانضمام للحرس الجمهوري الموالي للسادات بقيادة "الليثي ناصف" (والذي اغتيل في لندن بعد ذلك).

وبعد انتصار السادات على خصومه الناصريين بعد صعود "عزمي" في الحرس الجمهوري تمت ترقيته فاصبح ضابطا بمكتب مستشار الرئيس للامن القومي في 1973 وحصل على نوط الشجاعة ثم التحق بسكرتارية الرئيس للمعلومات في 1974 ثم انتقل بعد ذلك وفي نفس العام الى ديوان رئيس الجمهورية.

وبعد تولي حسني مبارك الحكم في اكتوبر 1981 بدا صعود زكريا عزمي. كانت هناك صداقة قد بدات تنشب بين مبارك وعزمي بعد ان عين مبارك نائبا لرئيس الجمهورية في ابريل 1975. ولذلك وبمجرد تولي مبارك الرئاسة تم تصعيد عزمي لكي يكون وكيل اول وزارة برئاسة الجمهورية ثم امينا عاما لرئاسة الجمهورية ثم رئيسا للديوان الجمهوري عام 1989.

ولأن عزمي كان مغرما بالمناصب فقد وسع من مجال اعماله فقرر دخول المحليات واصبح من خلال نفوذه في الديوان عضوا في مجلس محلي القاهرة. وفي عام 1987 قرر ترشيح نفسه في مجلس الشعب وفي دائرة الزيتون والاميرية التي توجد بها القصور الرئاسية (قصر القبة) حيث يمكن استغلال اصوات العاملين في هذه القصور والتي يشرف عليها زكريا عزمي للتصويت لصالحه في الانتخابات.

وبالفعل نجح زكريا عزمي وبعد ان عين رئيسا للديوان اصبح ينجح باستمرار في اي انتخابات لمجلس الشعب . والاكثر من هذا انه كان ينجح "بالتزكية" حيث لم يكن يجرا احد على الترشح في مواجهته . واصبحت دائرة الزيتون والاميرية ضيعة او "عزبة" خاصة لزكريا عزمي وعلى كل من فيها ان يظهروا ابتهاجهم بنجاحه في الانتخابات ويرفعون الزينات والاعلام التي تؤيد ترشحه.

ولان كل هذه المناصب لم تكن تكفي زكريا عزمي فقد قرر ايضا ان يكون عضوا فعالا في الحزب الوطني وبالفعل وبعد ان دخل جمال مبارك الحزب تم تصعيد عزمي لمنصب الامين العام المساعد.

ولكن كل هذا ايضا لايكفي لان السلطة لابد ان تؤدي الى الثروة والا اصبحت بلا معنى. وقد حانت الفرصة بعد ان توسع رجال الاعمال ودخلوا مجال السياسة واقتحموا الحزب. ولذلك كان لابد لزكريا عزمي ان يبحث عن رجل اعمال يكون واجهه له يمكنه بنفوذه من احتكار العديد من مجالات البيزنس وفي المقابل يحصل منه على عمولات بالملايين. ورجل الاعمال الذي اختاره زكريا عزمي هو ممدوح اسماعيل وهو رجل اعمال نصف متعلم ولكنه فجاة اصبح متحكرا لنشاط النقل البحري على الخطوط في البحر الاحمر بين مصر والسعودية. وقد قام عزمي بتمكينه من هذا البيزنس والاكثر من هذا طلب من "مبارك" ان يتم تعيينه في مجلس الشورى وان يرأس مكتب الحزب في دائرة العروبة في مصر الجديدة والتي يوجد بها منزل مبارك والقصر الجمهوري. ومقابل ذلك تبرع ممدوح اسماعيل بحوالي عشرة ملايين جنيه للحزب الحاكم.

الا ان الامور لم تمر بسلام فقد غرقت احدي العبارات الى يملكها ممدوح اسماعيل في البحر الاحمر في فبراير 2006 ومات على متنها اكثر من 1300 مصري وتبين ان السفينة كانت متهالكة ولاتصلح للعمل ولاتقدر على حمل كل هذه الاعداد من الركاب. وبسرعة نجح ممدوح اسماعيل بفضل علاقته مع "عزمي" في الهرب الى العاصمة البريطانية لندن وسط دهشة الجميع. ونجح نواب المعارضة في مجلس الشعب من كشف العلاقة بين عزمي وممدوح اسماعيل وحاولوا احالة عزمي للمحاكمة ولكن بدلا من ذلك احتشد نواب الحزب الوطني ومنعوا رفع الحصانة البرلمانية عن عزمي والاكثر من هذا قاموا باسقاط عضوية النائب المستقل الذي كشف العلاقة – وهو محمد عصمت انور السادات ابن عم الرئيس الراحل انور السادات.

وبدلا من ان ينكمش زكريا عزمي ازداد نفوذه وتوهجه وسار كتفا بكتف مع تزايد نفوذ جمال مبارك.

والغريب ان زكريا عزمي كان يتزعم لواء المعارضة داخل البرلمان وله عبارة مشهورة اسمها "الفساد للركب في المحليات" وكانت الناس تتعجب اذا كان رئيس الديوان الجمهوري يعرف ان الفساد "للركب" في المحليات فلماذا لايفعل شيئا هو ورئيسه لمقاومة هذا الفساد.

وازداد نفوذ زكريا عزمي بعد تزوير الانتخابات الاخيرة التي اكتسحها الحزب الوطني بالتزوير وحاول ان يلعب دور المعارض للحكومة وسياستها.

والمعروف ان زكريا لم ينجب رغم انه تزوج مرتين الاولى من مذيعة بالتلفزيون المصري (صفاء حجازي) ثم تزوج بعد ذلك من صحفية بجريدة الاهرام (تهاني حلاوة) وقد قامت مؤسسة الاهرام مجاملة لعزمي باصدار مجلة خاصة لزوجته تحت عنوان ديوان الاهرام.

وعندما بدأ نظام مبارك يترنح بدا اختفاء زكريا عزمي وكان اخر ظهور له هو 5 فبراير عندما تم اجبار هيئة مكتب امانة الحزب الحاكم على تقديم استقالتها وكان هو عضوا بها.

وقد قامت السلطات العسكرية باقتحام مكتب عزمي والقصور الرئاسية التي كان يشرف عليها – وهي قصور العروبة والقبة وعابدين والطاهرة – وقامت بالتحفظ على كافة الاوراق والمستندات الخاصة بزكريا عزمي واوراق مساعديه. وقد تم هذا الاقتحام بسرعة بعد ان تواترت انباء بان عزمي ورجاله كانوا ينوون التخلص من عشرات الالاف من المستندات و"فرمها في المفرمة".

وتؤكد مصادر المجلس العسكري ان عزمي متواجد مع مبارك الان في شرم الشيخ وله هناك قصر يتواجد فيه بجوار القصر الذي يسكن فيه مبارك والمجاور لفندق "ماريتايم جولي فيل" المملوك لرجل الاعمال صديق مبارك حسين سالم.

ويحتفظ زكريا عزمي بأصول لكافة قرارات رئيس الجمهورية والمذكرات الشخصية التي كان مبارك يتلقاها من كافة الدول. هذا علاوة على معرفته بكافة اسرار مبارك وعائلته وامتلاكه للكثير من الاوراق والمعلومات الخاصة جدا بمبارك وثروته. ولاشك ان التحقيقات مع زكريا عزمي سوف تكشف الكثير من طرق صنع القرار في عهد مبارك والوان الفساد التي استشرت في السنوات الاخيرة من هذا العهد.

ويمتلك عزمي قصر كبير في منطقة التجمع الخامس شرق القاهرة وهي منطقة سكنية خاصة بالاثرياء ومحاطة باسوار عالية. كما كان معروفا بانه كان يتلقي رشاوى هائلة وهدايا بالملايين من المؤسسات العامة والخاصة بالدولة وخصوصا المؤسسات الصحفية من اجل كسب رضاه والبقاء على مرؤوسيها في مناصبهم لاطول فترة ممكنة. كما يمتلك زكريا عزمي عدد كبير من المزارع الخاصة والاراضي والشاليهات على ساحل البحر الاحمر في شرم الشيخ والغردقة وسفاجا وعلى ساحل البحر المتوسط في منتجع مارينا. كما يمتلك مزرعة خاصة بوادي "النقرة" بمحافظة اسوان وعلي مساحة 40 الف فدان مرة واحدة. وقد حصل عزمي على كل هذه الاراضي منذ حوالي عشر سنوات بسعر رمزي عشرة جنيهات للمتر الواحد وخصصها لزراعة انواع معينة من العنب لتصديرها للخارج لأوروبا حيث تستخدم في تصنيع الخمور.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]