مقالة هامة جدا

مقالة هامة جدا ورائعة ..ميدل ايست أونلاين

بقلم: غسان يوسف

في بداية ما سمي موجة الثورات العربية التي انطلقت من تونس ثم امتدت إلى مصر كنت أتابع بحكم عملي الإعلامي قنوات عربية عديدة ولكن النصيب الأكبر كان للجزيرة والعربية وفي بعض الأحيان الـ BBC وفرانس 24. ومثلي مثل غيري كنت أصدق هذه القنوات ليس 100% ولكن بنسبة عالية، ومضت ثورة مصر وأنا متعاطف مع الجزيرة التي طُرد عاملوها من قبل النظام السابق وأُ...غلقت مكاتبها وسقط نظام مبارك وتعالت الهتافات وحُمِل لوغو الجزيرة في ساحة التحرير على أنه رمز للتحرر ونجاح الثورة ونقلت فضائيات عدة هذا المشهد ومن بينها التلفزيون السوري وأصبحت الجزيرة في رأي الكثيرين رمزا لتحرر الشعوب العربية!

ويبدو أن الجزيرة الطامحة أعجبها المشهد فانتقلت إلى ليبيا لتضخم الأحداث ولتشوه صورة العقيد معمر القذافي الذي ارتبك في بداية الأحداث واصفا من تحركوا بالجرذان ومتناولي الحبوب كما فعل ابنه سيف الإسلام الذي هدد بسقوط آلاف الضحايا الليبيين فعزفت الجزيرة على هذا الوتر وضخمت ما شاءت من الأحداث وتلقت اتصالات لا تعد ولا تحصى من شهود عيان بأسماء مستعارة وصادف أن اتصلوا بشخص يقيم بالقرب من سوق الجمعة حيث يقطن أحد أصدقائي فصور هذا الشاهد المجهول الاسم والعنوان أن الحي المذكور أصبح ركاما وعندما اتصلت بصديقي أجابني: "حسبنا الله ونعم الوكيل"! وأكد لي صديقي (الصادق) أن ما تقوله الجزيرة وأخواتها غير صحيح، وللأمانة كدت لا أصدقه فاتصلت بأكثر من صديق لي في طرابلس فكذبوا لي ما كانت تقوله الجزيرة، وأصدقائي هؤلاء لن أنساهم أبدا وهم الذين وجهوا لي دعوة لحضور مؤتمر الشباب الليبي الذي عقد العام الماضي في 20/8/2010.

بالفعل من وقتها أصبحت أشك بما تقوله الجزيرة لا بل كنت مشوشا ومصدوما من تلك القناة حتى اندلعت أحداث البحرين وأخذت الجزيرة موقفا منحازا من تلك الاحتجاجات فتأكد لي أن الجزيرة ليست كما تدّعي قناة "الرأي والرأي الآخر"! وجاءت أحداث اليمن وبرز بشكل واضح مدى التحريض الذي مارسته تلك القناة ضده حتى أن أكثر من مسؤول يمني اتهم الجزيرة ومن يقف وراءها بتأجيج الفتن بين أبناء الشعب الواحد!

وعندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا رأيت بأم عيني وسمعت بأذني مدى الكذب الذي كانت تمارسه تلك القنوات وعلى رأسها الجزيرة حيث يتم تضخيم الأرقام بشكل يدل على الغباء، فمثلا عندما دخل الجيش إلى منطقة بابا عمر ذكرت الجزيرة أن تسعين ألف شخص نزحوا من الحي في حين لا يتجاوز عدد سكان الحي الخمسة عشر ألفاً وفي حماة ادعت الجزيرة أن ثمانمائة ألف خرجوا للتظاهر في المدينة في حين لا يتجاوز عدد سكان حماة من كبيرها إلى صغيرها 800 ألف بلسان هيثم مناع - أحد أبرز المعارضين في سوريا - الذي استنكر كذب المعارضة قائلا: لا تدعو النظام يتصيدنا! فالكذب كما يقال على الميتين لا على الطيبين، ولكن لنغير في المثل ونقول على الغائبين لكن ما حدث أن الجزيرة صارت تكذب على بلدان بكاملها فمرة بثت خبرا يقول: إن مئات الدبابات تحاصر حي ركن الدين في دمشق فقلت: "اليوم أريد أن أتأكد بنفسي ولو كلفني ذلك حياتي" وذهبت إلى ركن الدين.. كان الحي هادئا والناس تزاول عملها! وعندما سألت بعض أصدقائي المعارضين هناك ضحكوا وقال بعضهم: هذا التضخيم الإعلامي ليس للداخل بل للخارج لتشويه سمعة النظام - كان يقولونها وهم فرحون – وقلت في سري قد يكون أحدهم من شهود العيان!

عندما دخل الجيش إلى درعا كان الناس يعتقدون أن درعا دمرت عن بكرة أبيها لو كان ما تبثه الجزيرة والعربية وغيرهما صحيحا ولما انتهت عمليات الجيش في درعا لم نر تدميرا ولا خرابا والأمر نفسه حدث في حمص وتلكلخ وجسر الشغور وحماة ودير الزور واليوم يحصل في اللاذقية والشعب السوري في غالبيته لم يعد يصدق تلك القنوات سواء كان معارضا أو مواليا، لأن الكذب يمارس في عز الظهر كما يقال! لكن البعض وكما قلنا يدغدغ مشاعره بهذا الكذب.

مقتل الجزيرة وبعض الفضائيات العربية سيكون في سوريا لا لشيء إلا لأن تلك القنوات تعمل بحقد أعمى وبإملاء واضح معتمدة كليا على فبركة الصور التي تبثها مواقع الانترنت المعارضة التي تفتقر إلى المصداقية إضافة إلى تضخيم الأرقام وتزوير الأحداث ما يجعل تلك القنوات نسخاً مشوهة عن تلك المواقع فهي تحمل الحقد نفسه وتنقل الكذب نفسه فتذوب قاماتها كالشمع لأنها تخلت عن المهنية والمصداقية والموضوعية ووضعت نفسها طرفا في مقابل آخر دون حساب لخط الرجعة ولو في الحد الأدنى!

كان على تلك القنوات أن تعرف أنها مسؤولة عما تقول وأن ثمة قنوات غيرها تنقل الحقيقة وأن هناك من يرصد لها ما تقول بالحرف لكن يبدو أن تلك القنوات اتبعت أسلوب جوزيف غوبلز - وزير الدعاية النازية - الذي كان يصر على ترديد الخبر الكاذب حتى يصدقه الناس لكن غوبلز (المسكين) لم يكن لديه قنوات فضائية ولا مواقع للتواصل الاجتماعي فلو أحصينا كم مرة بثت تلك القنوات أخبارا عن انشقاق الجيش السوري لتجاوز الرقم الألف! لكن الجيش السوري لازال متماسكا ولو كان حقيقة ما قالته تلك القنوات عن أفعال الجيش السوري في المدن لكانت هُدمت تلك المدن أكثر من عشرين مرة ومحيت جوامعها عن الأرض لكن الحقيقة كانت تبدو واضحة عندما يغادر الجيش ويتأكد الجميع أن ما قالته قنوات الفتنة لم يكن إلا تضخيما وكذبا وعلى الرغم من افتضاح الحقيقة أكثر من مرة لا تزال تلك القنوات تعيد الكذبة نفسها كقصة اختفاء مدونة انترنت وهمية، بالصور التي فبركتها وسائل الأعلام على أنها لأطفال خدج ماتوا في سوريا بينما هي في الواقع منشورة من قبل صحيفة البديل المصرية في نيسان الماضي، وانشقاق الجيش السوري وتصفية شخصيات مهمة في الدولة كفاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية الذي ادعت تلك القنوات أنه قتل بمسدس من مقرب من الرئيس الأسد لكن الرجل ظهر حيا وترأس مؤتمر الحوار الوطني! كما بثت تلك القنوات أن وزير الدفاع السوري السابق علي حبيب أُعدم أمام منزله، لكن الرجل ظهر في اليوم نفسه على شاشة التلفزيون السوري كما أن الكثيرين من الناس العاديين تابعوا خبر وفاتهم وتشييع جنازتهم على هواء تلك القنوات! لكن كما يقول المثل: "حبل الكذب قصير، وإذا لم تستح فافعل ما تشاء "!