الغول الأمريكي و العالَم الجديد
قد يكون الفيتو الروسي ـ الصيني الأخير(والأوّل من نوعه) قد أسّس لمرحلةٍ جديدةٍ في الصراع على النفوذ الدولي بين القوى الكبرى .لم تعد أمريكا تمشي وحيدةً في أروقة مجلس الأمن ,تجرّ ذيلها الأوربيّ خلفها, كما يجرّ الكلب ذيله . تأمر و تنهى و تُعَنْون مراحل استعمارها الجديد ,بأجمل العناوين ,و الجميع يُوقّع .... هناك من رفع بطاقةً حمراء في وجه شرطيّ العالَم , وهذا الأمر سيزعج أمريكا لوقتٍ طويل ,ليس لأنها مُهتمّة بسوريا و بالشعب في سوريا , كما يظنّ بعض السُّذّج و الأتباع ـ الذين هلّلوا على صفحات الأنترنت لأنّ مندوبة الاستعمار في مجلس الاستعمار,خرجت عندما كان المندوب السوري ,الدكتور الجعفري يُلقي كلمته ولم ينتبهوا ,أنّها انزعجت في اللحظات التي كان الرجل فيها يتحدّث عن مجازر أمريكا حول العالم ,و عن خمسين فيتو لصالح الكيان الصهيوني ,وليس عندما كان يتحدّث عن الوضع السوري .
ستغضب أمريكا طويلًا, لأنّ أمريكا لا تُحبّ أن يُقال لها : لا . فقد اعتادت على الأمر والنهي , اعتادت على الأتباع وعلى السمع و الطاعة . وعلى الجانب الآخر ,سيكون منَ السذاجةِ أيضًا ,أن نظنّ أنّ هذا الفيتو يقف عند سوريا والمسألة السورية .أو يبدأ عندها و بسببها,و ينتهي هناك .الأمر ليس كذلك ,و الصراع ليس على سوريا ولا لأجل بلد بعينه , الصراع على اكتساب القوّة على المسرح العالميّ ـ الصين ـ أو استعادتها ـ روسيا ـ ,و على مناطق النفوذ ,و أمريكا التي تمدّدت و وصلت أذرعها إلى أصقاع العالم الأربعة , لم تعد وحدها ,ولم يعد مسموحًا أن تبقى كذلك ,ذاك الغول الذي يريد ابتلاع العالم و ترك الفُتات لغيره ,فالغول مُنهَك تمامًا و رغم سطوته الظاهرة فهو يُعاني أزمات لا تنتهي ,داخليّةً و خارجيّة ,و لن تُوفّر هذه القوى الجديدة أيّ فرصة للانقضاض عليه .أمّا دول الاستعمار الأوربي القديم ,فلا تختلف ـ خارج حدود بلدانها ـ في تبعيّتها و ارتهانها للإرادة الأمريكية ,عن أي نظام عربي يُؤمَر فيطيع و يتلقّى بعض المكاسب (السلطوية في حالة الأنظمة العربية .و بعض الجيوب الاستعمارية في حالة أوروبا ـ بريطانيا و فرنسا تحديدًا . ) .
الصين قادمة بقوة ,و لم يعد بالإمكان ردعها أو رسم الحدود لها وفق المشيئة الأمريكية ,و روسيا , وريثة الإتّحاد السوفياتي ,و التي لا يمكنها أن تتناسى أو تسكت على وصول النفوذ الأمريكي إلى حدودها ,عند جورجيا و أوكرانيا و بعض دول القوقاز ,و إلى تركيّا ( حيث نشر الدرع الصاروخي الذي يحاول
أردوغان إشاحة النظر عنه عبر تغطيته ببعض الخطابات العرمرميّة في المنطقة و عبر تصفيق "الإخوان المسلمين" المُدوّي لهذه الخطابات ) .
ثمّ السطو على العالَم و إبعادها إلى حدودها ,ستفعل كل ما يمكنها فعله لتعود قطبًا صعبًا لا يمكن القفز فوقه او إغفال دوره .أو التطاول عليه و اقتطاع مصالحه .
ليست المسألة السورية هي الحدث هنا ,بل هي العنوان ,أو هي كانت اللحظة السانحة لإطلاق صافرة السباق العالمي الجديد .
وحده أردوغان توقّف عند التفصيل "العقوبات على سوريا" .ليس لأنه غافل أو غير مدرك لما يحدث ,بل لأنه هو الآخر ,يبحث عن فرصة سانحة ,لإكمال سباقه في المنطقة ,و الذي بدأه من قبل. و ملائكة أردوغان تختبئ في التفاصيل دومًا ,و هو الذي يعزف على الوتر الإسلامي على مسامع شعوب المنطقة ,وهو عزف يروق للناس الذي تعبوا و ملّوا من كل السيمفونيّات .والرجل الذي يُحب اللّعب تحت الطاولة طوال الوقت ,و لا يخرج إلّا عند الحاجة لأداء دور تمثيلي على الشاشة هو دائمًا دور التقيّ الوَرِع المُحِبّ للناس و الكاره "لإسرائيل"( تجاريًّا فقط ,إلى أنْ تُحَسِّنْ أخلاقها ) قرّر أنه سيخترع عقوبات تركيّة على سوريا (لأجل خاطر الشعب طبعًا, فأردوغان مُحبّ للشعب و للدرع الصاروخي الاستعماريّ وعلى الأغلب, يُحبّ عمرو موسى أيضًا, على طريقة شعبان عبد الرحيم ) ,و مع علمنا المُسبَق أنّ تركيا قد استفادت أضعافًا مُضاعفة بالنسبة للفائدة السورية,من العلاقة بين الدولتين,و التي تميّزت في السنوات الأخيرة ,حتى ضجّ بها تجّار سوريا و أعلنوا ضيقهم منها .فلا ندري عن أي شكل منَ العقوبات يتحدّث حضرة "الباب العالي" . بالنسبة لكثير منَ السوريين والعرب ,ستكون أشدّ عقوبة يفرضها رجب بيك ,هي أنْ يُقرّر ( كممثّل محترف يكاد يُضاهي أنور السادات في عشقه للتمثيل و للظهور الإعلانيّ والإعلامي ) الاشتراك في مسلسل تركي ,منَ الحلقة الأولى,حتى الحلقة الخمسين بعد المئة ,و يجد هذا المسلسل, شركة إنتاج سورية ,تقوم بدبلجته و لصقه في وجوهنا كل مساء .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]