تركيا - أردوغان.. حشرت نفسها في زاوية ضيقة جداً بعدائها لسورية
"إن الذين يأتون إلينا من تركيا يتحدثون كما لو أنهم ناطقون باسم أوباما.. أوباما يريد، وأوباما يريد ذلك، في حين أن لأميركا سفيراً في دمشق يأتي ويقول لنا.. ما يؤسفنا أن أشقاءنا الأتراك يكررون الكلمات نفسها".
...
هذه الكلمات هي للرئيس السوري بشار الأسد، قالها لوفد من حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض زار دمشق مؤخراً.
على ما يبدو، فإن "الصدر الأعظم" رجب طيب أردوغان، يظن أن أحلامه العثمانية تمر عبر واشنطن؛ وارثة الاستعمار القديم الذي كانت لندن وباريس تحتلان قمته، ولهذا لم يترك وسيلة إلا ويستعملها ليقدم نفسه كرأس حربة للمشروع الأميركي في المنطقة، وبهذا نقل الصحافيون الذين رافقوه في زيارته الأخيرة إلى نيويورك، لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، كيف كان يزهو مع وزير الخارجية أحمد داود أوغلو بعد استقبالهما من قبل أوباما، الذي "عظّم من شأنهما".
هنا يتساءل دبلوماسي تركي في بيروت عن الفرق بين أردوغان وأتاتورك، فيجد أن المفارقة لا تصح إلا مع نور السعيد، أو الجنرال الباكستاني برويز مشرف.
فقبل نحو سبعين عاماً، كانت الدولة العثمانية قد صغرت إلى حدود تركيا الآن، وكان في بال الإنكليز تقسيمها إلى أربع دويلات، لكن وزارة الخزانة البريطانية اكتشفت أنها عاجزة عن دفع رواتب جنودها المنتشرين في العالم، وعليه ذهبوا إلى أتاتورك لطمأنته ومساعدته.. لكن ماذا لو أن أتاتورك كان قد عرف أن الإمبراطورية صارت تكرهها الشمس، ألم يكن صفق الباب في وجههم وطردهم؟
قبل أقل من ستين عاماً، قررت الولايات المتحدة أن ترث الإنكليز والفرنسيين في مشاريعهم وأحلافهم.. وأحلامهم.. فكان آنئذ حلف بغداد الذي جعلت واشنطن عنوانه التصدي للخطر الأحمر، ويومها أي في عام 1958 قرر نور السعيد إرسال قوة كبرى من الجيش العراقي لنجدة كميل شمعون في لبنان، لكن هذه القوة بدلاً من التوجه إلى بيروت، احتلت القصر الملكي في بغداد، وجرجرت نور السعيد في الشوارع، وعلى أنقاض هذا الحلف قام حلف "السنتو" تحت عنوان غريب: "الأمن الإسلامي" في مواجهة الخطر الأحمر، وخطر القومية العربية التي يجسدها جمال عبد الناصر. وقد ضم حلف السنتو، البلدان الإسلامية ضمن حدود ما سمّته واشنطن الأمن الإسلامي، وهي تركيا، مع أنها - حسب الوصف الأتاتوركي - علمانية.. باكستان، وإيران الشاه، وأفغانستان، رفضت الانضمام، فيما لم تتجرأ السعودية على الإعلان عن موقف واضح، بسبب الحضور الكبير لجمال عبد الناصر في الشارع العربي.
ومن المفارقات هنا، أن حلف السنتو المولود من رحم حلف بغداد، كان يريد السيطرة على طريق الحرير، الذي يمر عبر سورية ويصل إلى عمق آسيا، وإلى الممرات المائية ومضائقها، من مضيق هرمز إلى جبل طارق، مروراً بباب المندب.. وحتى "رأس تنورة".
تركيا "الصدر الأعظم" رجب طيب أردوغان التي رفضت أوروبا انضمامها إلى اتحادها، رغم أن القسم الأكبر منها يقع في القارة الأوروبية، ظنت أو هي تظن لوهلة أولى أنها قادرة على جمع الأصوليات، من قاعدة أفغانستان والسعودية، إلى "المستقبلي" خالد ضاهر.. وفجأة صار أردوغان يهتم بأمور ليبيا ومتابعة شؤون مصطفى عبد الجليل، وأصبح يهتم بوحدة المعارضات السورية ويجمعها في اسطنبول أو أنطاليا، ويرئّس عليها حامل الجنسية الفرنسية برهان غليون، وفي عضويتها حملة الجنسيات البريطانية والإسبانية.. ألم يتحدث البعض من هذه المعارضات عن عودة صقر قريش، من دون أن يحددوا إذا كانوا سيعيدون غرناطة أو قصر الحمراء؟
قد يكون أردوغان نسي أن قصر يلدز أصبح متحفاً، ومن يدري فقد يضاف إليه قسم هو متحف الشمع، الذي قد لا يجد مكاناً له فيه، لأن تقليد الكبار بألعابهم قد يحرق أصابعه، حينما لا يجيد أن يفرق بين أنواع الأسهم النارية.
بعد هذا الشرح الطويل من الدبلوماسي التركي الذي يحز في نفسه أن يكون رئيسه لا يميز في مفاهيم الأصفار إذا كانت على يسار الرقم أو يمينه، يتساءل إذا كان أردوغان يعرف أن تركيا موضوعة بدورها على مفصلة الشرق الأوسط الجديد، ومشروع تحويلها إلى أربع دول ما زال في الاهتمام الغربي والأميركي.
بأي حال، وحسب هذا الدبلوماسي، فإن تركيا - أردوغان حشرت نفسها في زاوية ضيقة جداً بعدائها لسورية؛ ممرها الإجباري والوحيد نحو المنطقة، لافتاً إلى أنها بعد أن فشلت في إقامة "بنغازي سورية" على حدودها، هاهي تدخل لعبة المخابرات والدم، مؤكداً صحة ما أوردته صحيفة "الغارديان" البريطانية عن أن الاستخبارات التركية تقف وراء اغتيال المعارض السوري الكردي مشعل تمو، وحسب ما أكد مراسل صحيفة "غارديان" البريطانية في الموصل شمال العراق؛ جوناثان ستيل، فإن المخابرات التركية هي التي تقف خلف اغتيال مشعل تمو، والذي أضاف في تقرير وصف بالسري جداً والعاجل، أن الاغتيال جاء رداً على العملية النوعية التي قامت بها المخابرات السورية بالقبض على الضابط السوري الفار حسين هرموش.
وأعرب ستيل عن اعتقاده بأن تركيا أرادت من وراء عملية الاغتيال تحقيق هدفين بضربة واحدة، حيث تخلصت من معارض كردي هام ومميز، وألقت بالتهمة على السلطات السورية، الأمر الذي يمكن استثماره لتنشيط الاحتجاجات ضد السلطات السورية من جديد في شمال سورية، بعد حالة الهدوء التي عادت إلى المنطقة، لكن يختتم هذا الدبلوماسي أن أردوغان سيكتشف سريعاً أن حسابات الحقل لن تطابق أبداً نتائج البيدر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]