[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كان المشهد قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية مربكا..الجيش المصري يكثف تواجده على مداخل القاهرة وفي عدد كبير من محافظات الجمهورية، الموظفون ينصرفون مبكرا من أعمالهم أمس الأحد، البنوك تغلق أبوابها قبل الوقت المعتاد، تخوفات من رد فعل الإخوان، ومن انفلات أمني، تسريبات من مصادر حكومية ودبلوماسية، تأكيدات شبه واثقة من وسائل إعلام عن فوز أحمد شفيق، والحرس الجمهوري يتسلم منزله.
حبس المصريون أنفاسهم، وفي مشهد درامي اشتكى رئيس اللجنة العليا للانتخابات من اتهامات وصمت اللجنة بالتزوير، ثم أعلن فوز محمد مرسي.. السطور القادمة تحاول أن تشرح.. ماذا جرى؟.
كانت كل المؤشرات في الأيام الثلاثة الأخيرة تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن أحمد شفيق سيخلف حسني مبارك في منصب رئيس مصر، لكن ما أعلنته لجنة الانتخابات الرئاسية، كان مخالفا فقد دشنت مرسي رئيسا بفارق مطمئن.
بالرغم من أن محاضر فرز اللجان نشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام، وبرغم أن لجنة من القضاة المتطوعين قامت بحساب أصوات الناخبين، لتعلن فوز محمد مرسي على منافسه أحمد شفيق، فإن الأيام الأخيرة، أكدت أن شيئا ما يجري في الخفاء، وأن "الدولة العميقة" تعمل باجتهاد غير مسبوق لكي يحتل شفيق منصب الرئيس.
المنطق كان يسير في اتجاه مرسي، بحكم ما أعلن من نتائج شبه رسمية، بينما أجهزة وجماعات مصالح كانت تدفع في اتجاه أن شفيق هو الرئيس، وقد خلق هذا نوعا من الإحساس بأن الأساليب القديمة في تزوير الانتخابات ستعود.
أين الحقيقة؟ وما الذي يتم في الخفاء؟ كان هذا سؤال المواطن المصري في الشارع، بعد أن تلاعبت به أجهزة الإعلام ومؤسسات "الدولة العميقة".
قبل إجراء جولة الإعادة ركزت وسائل إعلام على تقديم محمد مرسي باعتباره مرشح "الدولة الدينية" ولم تجهد نفسها في أن تفسر للمواطنين، لماذا تؤيده حركتا "6 إبريل" و"الاشتراكيون الثوريون" وهو رجل قضى حياته ناشطا في كبرى جماعات الإسلام السياسي.
ولم يشرح أحد لماذا حظي مرسي بدعم واضح وقوي ممن يعتنقون أفكار "أرنستو تشي جيفارا" و"فرانز فانون" و"ليو تروتسكي" أساطين اليسار الذين ألهموا بأفكارهم الثوار في أنحاء شتى من العالم الثالث في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا.
كما ركزت أصوات وأقلام على فكرة الاستقرار وربطتها بالمرشح أحمد شفيق، وتجاهلت عامدة أي حديث عن وضع الرئيس المخلوع حسني مبارك وقضية القصاص للشهداء من أجندة شفيق إذا أصبح رئيسا.
وكانت غرف الأخبار وأطقم إعداد برامج الـ"توك شو" هدفا لتعليمات لايعرف على وجه اليقين من ورائها لكنها صادرة من ملاك القنوات الخاصة بضرورة دعم أحمد شفيق.
بعد إجراء انتخابات الإعادة وإعلان حملة محمد مرسي عن فوز مرشحها استفاقت حملة أحمد شفيق متأخرة من مباغتة مرسي عندما ألقى خطاب النصر من مقر حملته بالمقطم بعد نحو 7 ساعات من إغلاق باب التصويت في لجان الجمهورية.
جاء رد حملة شفيق غير مقنع ولم يكن مدعما بأي أرقام بعد أن أعلنت أن شفيق متقدم على مرسي وفقا لنتائج قالوا إنها بين أيديهم ولم يعلنوها.
أجهزة إعلام لم تعرف يوما باستقلاليتها، روجت ولمحت أن شفيق هو الرئيس القادم، كما أن القائمين عليها عرفوا بصلاتهم الوثيقة بالنخبة الحاكمة في عهد حسني مبارك (2011:1981) وبعضهم كانوا أعضاء في الحزب الوطني المنحل ممن روجوا باستماتة لـ"سيناريو التوريث".
لم تتبع وسائل الإعلام التي يطلق البعض عليها "فلول" أصول وتقاليد المهنة فروجت لعموم بدون تفاصيل وتحدثت عن فوز بلا أرقام، وألمحت لنتيجة ليس لها أي مقدمات، ومن مظاهر ذلك بعد جولة الإعادة.
أولاً: تم بتنظيم فائق ما يمكن وصفه بـ"قصف إعلامي" مكثف ضد حملة مرسي التي أعلنت وهي ليست جهة اختصاص أرقام ومحاضر اللجان العامة في أنحاء الجمهورية وفي هذا "افتئات" على حق اللجنة العليا، صاحبة السلطة في إعلان النتائج وتحديد الفائز، وامتد "القصف" إلى القضاة المستقلين في حركة "قضاة من أجل مصر" التي أعلنت نتائج ومحاضر الفرز، باعتبارها غير مخولة بهذا وأنها مارست عملا استعراضيا يتنافى مع القانون.
جرت عملية تشكيك واسعة النطاق حول محاضر الفرز التي أعلنتها حركة "قضاة من أجل مصر" ونشرها حزب الحرية والعدالة بعد أن طبعها في كتيب، وجرى حديث في الإعلام عن 37 محضرا ليس عليها خاتم اللجنة العامة وكيف أنها مطعن يمكن أن يثبت أن تزويرا قد حدث، وأن هذه المحاضر تخص 3 ملايين صوت وهو أمر غير دقيق، كما أن ما وصلنا عبر الإعلام وفحصناه من هذه المحاضر كانت الأصوات الأكثر فيها لشفيق وليس لمرسي.
تخوف القائمون على حملة مرسي وقاموا برفع المحاضر التي وضعوها على موقع الحملة بالرغم من أنهم ليسوا مسئولين عن إجراء ناقص -الختم- ارتكبه 37 قاضيا من بين أكثر من 13 ألف قاض.
ثانيًا: قبل أيام من إعلان النتيجة خرج أمين اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة ليتحدث عن مسئول بالمطابع الأميرية وكيف أنه كان يجب أن يسكت ولايتحدث للإعلام، في قضية تسويد بطاقات مغلفة لصالح المرشح محمد مرسي، وهو ما أوحى أن هناك فضيحة تزوير كبرى لصالح مرسي، وهو ما ثبت أنه غير صحيح وأن المسألة تتعلق بنحو 2000 فقط من البطاقات تم اكتشافها ولم يتسرب منها سوى بطاقة واحدة وتم إلغاء الصندوق الذي احتوته، وفقا للمستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات.
ثالثًا: تبنت أجهزة الإعلام سالفة الوصف الترويج بأن تزويرا يتم لكنه -ويا للمفاجأة- لصالح مرشح جماعة "الإخوان المسلمون"، التي عانى مرشحوها كثيرا من التزوير في عهد مبارك الذي كان أحمد شفيق آخر رئيس وزراء عينه إبان أحداث ثورة 25 يناير 2011.
رابعا: تحدثت رموز الإعلام المشار إليها عن "رشاوى" ودفع أموال من مؤيدي مرسي دون أن تقدم بما لديها من إمكانات أي دليل على ذلك، وتجاهلت وقائع شبه ثابتة تداولها العامة عن أموال دفعها مؤيدون للمرشح أحمد شفيق لحشد مأجورين للتصويت له، بالرغم من أن الكتلتين الأساسيتين لأنصار مرسي وشفيق ليستا بالتأكيد من المأجورين.
خامسًا: قليلون سبحوا عكس التيار ونقل موقعان إلكترونيان عن مصادر داخل اللجنة الانتخابية أن مرسي متقدم في الأصوات وأنه الأوفر حظا للفوز بمنصب الرئيس قبل ثلاثة أيام من إعلان النتيجة، وبرغم أن أحدهما ينتمي لمؤسسة قومية فإن هذا كان خروجا عن سياق أغلب الصحافة المصرية عموما.
سادسًا: كانت المفاجأة أن المرشح أحمد شفيق نفسه خرج ليؤكد بلهجة واثقة أنه رئيس مصر القادم وأنه واثق أن اللجنة العليا ستعلن فوزه في النهاية، وقد أدى ذلك لأكبر قدر من اللغط، إذ كيف يعلن مرشحان عن فوزهما معا وبالقدر نفسه من الثقة، وهو ما يطرح سؤالا بعد ما أعلن من نتائج: هل تم استخدام شفيق نفسه في صراع الأجنحة التي سيأتي تفصيلها لاحقا؟.
سابعا: بدا المشهد ضبابيا حيث تجمعت سحب كل ما سبق وأضيفت إلى الجو الملبد في ميدان التحرير، لتعطي انطباعا بأن منصب الرئيس محل تفاوض ومساومة وأن قبول الإخوان ومن معهم بالإعلان الدستوري المكمل هو مفتاح إعلان فوز مرسي، وأن التلويح بفوز شفيق هو مجرد ورقة ضغط على الإخوان، وأن إعلان الفائز سيتم لأسباب سياسية وليس بإرادة الناخبين وقوة الصناديق.
من شواهد التسريبات التي يبدو أنها مقصودة حول فوز شفيق أن صحفيا جزائريا التقى وزيرا في الحكومة المصرية الأربعاء الماضي فأكد له أن شفيق هو الرئيس، كما أن صحفيا آخر التقى بدبلوماسي أجنبي رفيع أكد له أن لديه معلومات عن فوز شفيق، وهو بالضبط مانقله موقع "أهرام أون لاين" باللغة الإنجليزية عن مصادر حكومية ودبلوماسية، كما أن صحفيا بمؤسسة قومية التقى أحد مساعدي وزير الخارجية يوم الخميس، فأكد له أن شفيق سيعلن رئيسا.
ومن القيادات الكبيرة في الشرطة إلى القيادات الوسيطة في الجيش المصري، كانت هناك تسريبات مؤكدة أن شفيق سيكون رئيسا بفارق نحو نصف مليون صوت، وجرى ذلك باستخدام صحفيين وإعلاميين نقل كل منهم ما سمعه بصدق ليخلق حالة فصام بين ما أعلن من أرقام وما هو متوقع من نتيجة.
كانت قمة التراجيديا قبل النتيجة بيوم أن مواقع التواصل الاجتماعي تداولت محضرا للفرز -عرفنا أنه مزور فيما بعد- عن نتيجة الانتخابات وفيها إعلان فوز شفيق بفارق نصف مليون صوت وبتوقيع يشبه توقيع رئيس اللجنة فاروق سلطان.
ما جرى يوم إعلان النتيجة كان دراميا، بداية من تشديد الجيش لإجراءاته وتواجده على الطرق السريعة وفي المدن الكبيرة بأنحاء الجمهورية، ومرورا بحالة تخويف من ردود فعل أعضاء جماعة الإخوان المسلمون بعد الإعلان "المتوقع" عن فوز أحمد شفيق، وانتهاء بإصدار أوامر لجميع البنوك والمصالح الحكومية وشبه الرسمية كالصحف القومية بصرف موظفيها بعد أذان الظهر مباشرة، لكي يكون الجميع في بيوتهم قبل الثالثة عصرا موعد إعلان النتيجة.
في المجمل سادت أجواء تخويف وتهيئة لاضطراب وفق توقع ثبت كذبه عن فوز شفيق.
وقبل المؤتمر الذي أعلنت فيه اللجنة العليا نتيجة الانتخابات بعدة دقائق صرح أحد الصحفيين المعروفين بصلاته الأمنية أن الحرس الجمهوري اتجه لتسلم بيت الفريق أحمد شفيق وقال نصا "إن هذا مؤشر على النتيجة" وعندما سألته مقدمة البرنامج هل حدث الشئ نفسه مع المرشح محمد مرسي؟ أجاب: لا أعتقد.
بات المشهد كله يصب في صالح فوز المرشح أحمد شفيق، لكن المستشار فاروق سلطان وبعد مقدمة طويلة عاتب فيها من شككوا في اللجنة وكيف أنها عملت في أجواء من الريبة لم يكن لها مايبررها، أعلن فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية ليصبح أول رئيس مدني لمصر، فما الذي يفسر ماجرى.
هناك سيناريوهات تشرح ما الذي جرى قبل إعلان النتيجة، لكن المؤكد أن أجواء "سينما الأكشن" الأمريكية لا تفسر عشقا لسينما هوليوود من قبل القائمين على أمور البلاد، وربما يفسر ما جرى أن أجنحة متصارعة في سراديب "الدولة العميقة" أدارت معركتها في الخفاء بأكبر قدر من الشراسة، واستعراض العضلات فخرج المشهد أمام المصريين مضطربا ومرتبكا، يشير إلى هنا وهناك في آن واحد ويلمح لهذا وذاك في الوقت نفسه، وفي تحديد ما جرى يمكن رصد ما يلي:
أولاً: جناح في أروقة الحكم اعتبر أن معركة نجاح شفيق هي الفرصة الأخيرة لبقايا نظام مبارك لاستعادة ما أفقدته الثورة لهم، فروجوا له في الإعلام بأساليب النظام القديم نفسها دون تغيير في الفعل ودون توقع تغيير في النتيجة، بما أن المقدمات المتشابهة تؤدي إلى نتائج متشابهة وفق المنطق الأرسطي.
وقد تصرف هذا الجناح وكأن دولة مبارك مازالت قائمة، وبعضهم طلب صراحة أن يتم البحث عن طريقة لإنجاح شفيق حتى بعد ما أعلن من نتائج ليست في صالحه، وقد ضغط هذا الجناح بكل قوة، لكنهم نسوا أن ما بعد 25 يناير ليس كما كان قبله.
في هذا السياق تحركت آلة إعلامية ضخمة، حاولت صنع صورة ذهنية مفادها أن شفيق حصد الأغلبية وأن الأرقام المعلنة مطعون في كثير منها وأن الأمر بيد اللجنة العليا للانتخابات التي تعرضت هي الأخرى لحملات من التشكيك في مواقفها.
ثانيًا: جناح في أروقة الحكم رأى أن فوز مرسي الذي كان متوقعا بعد ساعات من إغلاق باب التصويت سيكون تحت ضغط ميدان التحرير والمعتصمين فيه حتى وإن كان مستحقا، فأراد هذا الجناح أن يحقق ما يعرف عند العسكريين بـ"توازن الردع" أي خلق حالة من التوازن بين قوتين غير متكافئتين باستخدام أسلحة غير تقليدية.
في هذا السياق جرى استقدام أنصار شفيق ليتظاهروا من أجل "الدولة المدنية" في مدينة نصر أمام المنصة التي تم اختيارها لما لها من رمزية ففي هذا المكان قبل 31 عاما تم اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات على يد إسلاميين متشددين.
ثالثًا: من مظاهر الصراع بين الجناحين والانقسام بينهما أن تم تسريب فكرة إعادة الانتخابات بسبب بطلانها وفقا للطعون في أكثر من نصف المحافظات، أو إعادة الانتخابات في دوائر تضم أصواتا يمكنها ردم الفجوة المتسعة بين شفيق ومرسي وجرت أحاديث هنا وهناك عن انقسام في اللجنة العليا للانتخابات حول حل لم يبدو واقعيا وإن بدا منطقيا في حرب خفية بين أطراف قوية تدير صراعاتها في العمق دون أن تظهر على السطح.
رابعًا: اعتقد ما يمكن وصفه بـ"جناح شفيق أولا" أن الأمر استتب له، وتصرف على هذا النحو، فجرى الحديث عن انفلات أمني متوقع بسبب احتجاجات الإخوان والسلفيين وأنصار مرسي من القوى الثورية، بعد إعلان النتيجة، فجرى إلغاء إجازات الضباط، وتشديد الأكمنة على الطرق وتم الدفع بقوات من الشرطة العسكرية ووحدات من الجيش في المدن وعلى مداخل القاهرة وبالقرب من المنشآت الحيوية في الدولة.
خامسًا: لايمكن وصف القدر الذي انعكست به صراعات الأجهزة على اللجنة العليا للانتخابات، دون معلومات موثقة، خاصة أن أحد أعضائها تعرضوا لضغوط في قضايا سابقة واستجاب لها، لكن الأمانة تقتضي أن مصادر داخل اللجنة سربت أن مرسي متقدم بفارق مريح لايمكن تعويضه حتى مع قبول كل الطعون التي قدمتها حملة شفيق وذلك قبل إعلان النتيجة بثلاثة أيام.
المؤكد أن أحد الأجنحة المتصارعة أقنع متونه وأطرافه أن الضغوط في الشارع وعلى اللجنة وفي أروقة الإعلام ستؤتي ثمارها لإعلان فوز شفيق، وهو ما بدا في حجم الصدمة التي تعرض لها مؤيدو أحمد شفيق إذ سمعنا أن لدى العديد منهم اعتقاد بأن مرشحهم هو الفائز الحقيقي، وأنه أقصي إرضاء للإخوان وتمت التضحية به حتى لا يتم التصعيد في التحرير، فيما نقل أحد المواقع الالكنرونية تسجيلا مصورا لبعضهم وهم يهتفون -وياللمفارقة- "يسقط.. يسقط حكم العسكر".