الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة
كشفت صحيفة (هآرتس) العبريّة في عددها الصادر الجمعة النقاب عن خطةٍ وضعها الموساد الإسرائيليّ (الاستخبارات الخارجيّة) في السنوات الخمسين من القرن الماضي لتفتيت كلٍ من سوريّة ولبنان، وإقامة مكانهما دويلات صغيرة للأقليات الطائفيّة تنشغل بينها بالصراعات وذلك في الشرق الأوسط.
وقال المؤرخ الإسرائيليّ المعروف، شلومو نكديمون، الذي كشف عن القضيّة إنّ القصة نُشرت في الخمسينيات في إحدى الصحف الهنديّة، وبعد ذلك قامت المخابرات السوريّة بترجمتها إلى اللغة العربيّة. وعندما علم بالأمر الجنرال يوفال نئمان، الذي كان يشغل منصبًا رفيعًا في الموساد، ومن ثمّ أصبح وزيرًا، وكان مسؤولاً أيضًا عن الوكالة النوويّة الإسرائيليّة، ذلك أنّه في تقرير الصحيفة الهنديّة اقتبست خطته المعروفة بباسم خطة (لافي) والتي أعدّها عندما كان رئيس قسم التخطيط الإستراتيجيّ في الموساد، والتي كانت سريّة للغاية، وعليه، أضافت الصحيفة، أمر بإجراء تحقيقٍ لمعرفة من الذي قام بتسريب الوثيقة خصوصًا وأنّ 11 نسخة منها فقط كانت موجودة في الموساد وفي وزارة الأمن، وقد قام الضابط إفراييم مارون بإجراء تحقيق سريّ للغاية للعثور على مُسرّب الوثيقة، وفعلاً ألقي القبض عليه، حيث تبيّن أنّه ضابطً رفيع المستوى في الجيش الإسرائيليّ، يُدعى يسرائيل بار، كان يدخل إلى وزارة الأمن بحريّة تامة، وقد أدين بعد عدّة سنوات بالتجسس لصالح الاتحاد السوفييتي سابقًا وأرسل لسنوات طويلة إلى السجن، ومات هناك دون أنْ يعترف بالتهم الموجهة إليه، بما في ذلك تسريب الوثيقة.
وروى رجل الموساد، أفرايم مارون، الذي بلغ التسعين من العمر، في مذكراته التي نشرت بنسخ معدودة، إنّ الدولة العبريّة لم تُعلّق على ما فحوى الخطة التي نشرت في صحيفة هندية ناطقة باللغة الانكليزية، ونشرت ترجمتها صحيفة سورية معروفة، لكن بعد أن عرضت على المسؤولين الأمنيين في إحدى جلساتهم، انبرى يوفال نئمان، المسؤول شعبة في الاستخبارات العسكرية (أمان)، كما أنّه تعرض للدغة عقرب، وقال: هذه الخطة التي أعددتها كلمة بكلمة. واشار ضابط الموساد إلى أنه بعد إجراء المقارنة بين النسخة الانكليزية التي نشرتها الصحيفة الهندية وبين الوثيقة الأصلية، استنتج أن لغة الأم لمترجم الوثيقة من العبرية للانكليزية هي اللغة الروسية، وخلص إلى ذلك نتيجة لبعض الأخطاء التي قد تواجه مترجمين روس حين يترجمون نصا عبريًا، على حد تعبيره. وبحسب مارون، حامت الشبهات حول التسريب حول يسرائيل بار وهو ضابط رفيع في قوات الاحتياط، وشغل منصبًا رفيعًا في غرفة العمليات التابعة للجيش الإسرائيلي خلال احتلال فلسطين عام 1948. علاوة على ذلك، أشار مارون في حديثه إلى المؤرخ نكديمون إلى أن بار اعتقل عام 1961 بتهمة التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي، وأبدى استعدادًا للتعاون مع محققي جهاز الأمن العام (الشاباك) بعد أن عرضوا عليه الوثيقة، لكنه توفي في السجن دون أن يعترف بالتسريب.
وفي قضية أخرى، تتعلق أيضًا بنشاط الموساد الإسرائيليّ في الوطن العربيّ يكشف ضابط الموساد النقاب عن رسالة سرية من الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، جاء فيها أنّه على استعداد للاعتراف بالدولة العبريّة، وزاد الضابط قائلاً إنّه بعد عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، وصل مندوب عن الرئيس التونسيّ بورقيبة إلى مبنى السفارة الإسرائيليّة في العاصمة الإيطاليّة، روما، وطلب مقابلة مسؤولي السفارة، إلا أن ضباط الموساد أشاروا لمسؤولي السفارة تحديد موعد لليوم التالي للتحقق من هويته، على حد تعبيره. وساق الضابط مارون قائلاً إنّه بعد أنْ قامت الجهات الأمنيّة بالتحقق من هوية الضيف تبيّن أنه فلسطيني مهجر من منطقة القدس، لجأ مع عائلته لتونس بعد النكبة، ويعتبر من المقربين للرئيس التونسيّ، بورقيبة. وساق الضابط السابق في الموساد قائلاً أنّ المندوب الشخصيّ للرئيس بورقيبة أكد للمسؤولين الإسرائيليين، الذين اجتمع إليهم، على أنّ تونس توصلت إلى نتيجة مفادها أنّه لا يمكن إخضاع إسرائيل بالقوة، وبالتالي فإنّها استعداد للتفاوض مع إسرائيل، ولـلقيام بدور الوساطة بين إسرائيل والعرب، إلا أن مارون أكد أن الأمر لم يلق أي اهتمام من قبل صنّاع القرار في تل أبيب، الذين لم يُكلفوا أنفسهم عناء الرد على توجه سفارتهم.
وبحسب الضابط فإنّه بعد مرور فترةٍ قصيرةٍ قام رئيس جهاز الموساد آنذاك، الجنرال في الاحتياط، مئير عاميت بزيارة لإيطاليا، وخلال الزيارة حدثه مارون عن مندوب الرئيس بورقيبة وعن الرسالة التي حملها، وأبلغه بأنّ المسؤولين في إسرائيل أعربوا عن استخفافهم بالأمر، فكان ردّ رئيس الموساد، بحسب مارون: لا تستغرب، لا يوجد مع من تتحدث، هم جميعًا في نشوة النصر، ولا أحد يفكر للمدى البعيد، على حد تعبيره.
يشار إلى أنّ مارون تطرق في سيرته الذاتيّة إلى العديد القضايا والعمليات شارك فيها أو أشرف عليها، منها عمليات ملاحقة خبراء الذرة الأجانب الذين عملوا في مصر في تلك الحقبة، ويروي قصة فشله في الضغط على أسرة عالمة ألمانية تعمل في مصر، بسبب يقظة رجال الاستخبارات المصريين، إلا أنه لا يتطرق لعمليات اغتيال نسبت للموساد. ويتحدث مارون عن قيامه بتجنيد موظفة عربيّة متزوجة لإيطالي تعمل في إحدى السفارات العربية في إيطاليا، رافضًا الكشف عن اسم الدولة أوٍ اسم المرأة المذكورة. وأشار المؤرخ الإسرائيليّ إلى أنّ مارون قام بتأليف الكتاب من أجل أحفاده.