[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وقف التمويل الصهيوني للانتخابات الأميركية وأصداء الثورات العربية، خلف طرح أميركي أخير ربط التوطين بالإصلاح في الأردن، ما شكَّلَ موضع إدانة واسعة لأوساط سياسية مختلفة رفضت "التدخل والابتزاز السياسي".
وتداخلت مفاعيل تأثير اللوبي الصهيوني في الحملة الانتخابية النصفية المقررة هذا العام، والقلق الأميركي من صيرورة التغييرات المتسارعة في المنطقة التي أنتجت حضوراً بارزاً للحركات الإسلامية، وراء تبني مقولات اليمين الإسرائيلي المتطرف حول "التوطين" و"الوطن البديل".
ولم يكتف العضوان الديمقراطيان في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري ودانييل إينوي، أثناء زيارتهما الأخيرة للمملكة، بطلب توطين الفلسطينيين ممن لا يحملون الأرقام الوطنية، في الأردن، وإنما وضعاه شرطاً في مختلف الجوانب الإصلاحية، بقصد اكتمالها.
وحمل الحديث "منح زهاء مليون فلسطيني، منهم حوالي 800 ألف من الضفة الغربية ونحو 300 ألف من غزة، ممن لا يحملون ارقاماً وطنية، الجنسية الأردنية، كامتداد محسوم من جانبهما، بشكل خاطئ، لتوطين اللاجئين الفلسطينيين".
وانتقدت تلك الأوساط "التدخل الأميركي في شأن الإصلاح الداخلي والمسّ بخصوصية العلاقة الأردنية – الفلسطينية".
وأكدت "التمسك بحق العودة" الذي ينطبق، وفق قانونيين، على "كل فلسطينيي الشتات، من مهجرّي العدوان الصهيوني عامي 1948 و1967، بغض النظر عن حملهم لجنسية البلد المضيف"، وذلك حسب نصوص قانونية صريحة.
ولم يستبعد سياسيون "مسعى إنقاذ الكيان الإسرائيلي من إشكالية عميقة تعتريه على حساب الأردن، أسوة بطرح العضوين الأميركيين المعروفين بمواقفهما المتحيزة للكيان الإسرائيلي، وبخدمتهما له"، وفق السفير السابق العين فالح الطويل.
ورفض "الربط بين الإصلاح بصفته شأناً أردنياً داخلياً، والتوطين باعتباره مطلباً إسرائيلياً يسعى لفرضه على الأردن، عملاً بنهج تصدير الأزمة الداخلية للخارج عند بلوغ مأزق، كما هو حال الداخل الإسرائيلي اليوم".
وقال الطويل لـصحفية "الغد" الاردنية إنَّ "الأردن يعدّ البلد الأكثر استقراراً وهدوءاً في المنطقة، بسبب قدرة القيادة على استباق الأحداث بإصلاحات ضرورية، تطال الإصلاح الدستوري ونظام الحكم والقضاء والبرلمان والقوانين الناظمة للحياة السياسية، وغيرها".
لكنَّه حذَّرَ من "محاولات سلطات الاحتلال، بواسطة عملائها من الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، لنشر الأكاذيب والافتراءات عن الأردن فيما يتعلق بالإصلاح، والديمقراطية وحرية الرأي، لخدمة أهدافها".
وأكد "فشل محاولات نقل مشكلة الاحتلال إلى الأردن، بما يعانيه الكيان الإسرائيلي حالياً من عزلة ومطالبة دولية بتخفيف غلوائه وصلفه".
ونبّه إلى "مخطط الاحتلال لتوطين 25 % من سكان الضفة الغربية في الأردن ومنحهم الجنسية الأردنية، بما قد يوطئ لطرد آخرين من الأراضي المحتلة وتفريغ البلاد من سكانها".
بيد أنَّ بعض أقطاب المكون السياسي الأميركي وجدوا في الثورات العربية، بما تخلقه من قلق وترقب لديهم، مدخلاً لاجترار طروحات التوطين، كانت واشنطن بدأت بتقديمها منذ العام 1949، وهو ما رفضته الفصائل الفلسطينية، ومنها حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
ورأى ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة أنَّ "الولايات المتحدة تضغط على الدول العربية لمقايضة التوطين بمسائل أخرى داخلية"، داعياً إلى عدم الوقوع في الفخ الأميركي لشطب القضية الفلسطينية وتصفية حق العودة.
وقال لـ "الغد" من بيروت إنَّ "التحرك الأميركي الأخير ابتزاز للدول العربية المضيفة للاجئين، عبر المساومة على بقائها مقابل القبول بالتوطين، لإنقاذ الكيان الصهيوني".
وأضاف إن "قضية اللاجئين سياسية ناتجة عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين عامي 1948 و1967"، مؤكداً "التمسك الفلسطيني بحق العودة، باعتباره حقاً مقدساً فردياً وجماعياً لا يسقط بالتقادم ولا يملك أي أحد التنازل عنه أو التفريط فيه أو مقايضته".
وأكد "رفض حماس المساومة على حق العودة أو التنازل عنه مقابل دولة فلسطينية"، داعياً إلى وضع استراتيجية فلسطينية عربية تشارك فيها الدول المضيفة لمواجهة مخاطر التوطين و"الوطن البديل".
ويقف وراء الطرح الأميركي، بالنسبة للمحلل السياسي لبيب قمحاوي، "نوايا سيئة"، إذ "لم يطلب أحد من واشنطن التدخل لإبداء موقفها من قضية أردنية فلسطينية خالصة، فالأولى لها الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال والعدوان المتصاعد".
ورأى أن التناول الأميركي للإصلاح الأردني يعدّ "تدميراً لمسيرة الإصلاح وتدخلاً سافراً في الشأن الداخلي الأردني"، منتقداً أصواتا داخلية وصفها بصاحبة "النزعات الإقليمية المتشددة" التي تدفع للاعتقاد بوجود مشكلة فلسطينيين في الساحة الأردنية، بما يدعم وجهة النظر الصهيونية.
ولفت إلى خطورة دعوات أردنية لتأجيل خطوات إصلاحية ديمقراطية، لاسيما الانتخابات النيابية، إلى حين البت في القضية الفلسطينية، حيث "لا علاقة للإصلاح بذلك، ولن يؤدي به للإخلال بالوضع القائم في الأردن".
وفتح جدل الموقف الأميركي الأخير الباب أمام اجتهادات متباينة بشأن الفئة المستهدفة من حق العودة، وعديدها، ومدى انطباقه على جميع الفلسطينيين، بتصنيفاتهم "الملونة" وفق البطاقات التي بحوزتهم، من صفراء وخضراء وزرقاء، والتي تفصل بين حدّي المواطنة وعدمها.
ولا يحمل أصحاب البطاقات الخضراء والزرقاء الرقم الوطني، التي تعطى بشكل مؤقت لأغراض معينة، خلافاً للبطاقات الصفراء.
ويفاقم من الإشكالية إجراءات سحب الجنسية التي جرت مؤخرا لتطبيق قرار فك الإرتباط الإداري والقانوني لعام 1988، مصحوبة بحراك تبديل البطاقات، وبالتالي تغيير أحوال حامليها.
وتزامن ذلك مع دعوات مسؤولين "منح الفلسطينيين في الأردن، وعددهم نحو 1.2 مليون شخص، منهم 850 ألفاً من الضفة الغربية و350 ألفاً من غزة، الجنسية الفلسطينية لضمان حقهم بالعودة".
وتتفاوت تقديرات الأردنيين من أصل فلسطيني والفلسطينيين الذين يعيشون في الأردن ولا يتمتعون بالمواطنة الأردنية.
وأفاد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض بأن "أعداد الفلسطينيين في الأردن، سواء أكانوا لاجئين أم نازحين، يتمتعون بالمواطنة الأردنية أم لا، تقارب 3.3 ملايين شخص".
وتجمع التقديرات، بحسبه، على أن "الأعداد تفوق المسجلين لدى الأونروا والمقدرين بنحو 2 مليون لاجئ، إذ هناك لاجئين فلسطينيين غير مسجلين لديها، تقدر عددهم بزهاء 15 % من مجموع اللاجئين".
ولفت إلى "تقديرات غير رسمية بوجود زهاء مليون فلسطيني ممن لا تنطبق عليهم معايير وكالة الأونروا، لأنهم نازحون، منهم نحو 800 ألف من الضفة الغربية ونحو 300 ألف من قطاع غزة، منهم حوالي 145 ألف لاجئ غزاوي مسجل لدى الوكالة ولا يحملون الأرقام الوطنية".
وأكد عوض رفض اللاجئين للتوطين، وتمسكهم بحق العودة الذي لا يتعارض، بحسبه، مع "الحقوق السياسية والمدنية التي يتمتع بها الفلسطيني في الدول المضيفة، وفي مقدمتها الأردن".
قانونياً، فإن "حق العودة لكل فلسطينيي الشتات، ممن يحملون الجنسية الأردنية وأؤلئك الذين لا يحملونها، بما يشمل اللاجئين عامي 1948 و1967، بمن فيهم أصحاب البطاقات الصفراء والخضراء وأبناء غزة"، وفق الخبير في القانون الدولي أنيس فوزي قاسم.
أما سياسياً، فإن "حق العودة فرض عين على كل عربي باعتباره أداة الإطاحة بالمشروع الصهيوني"، بحسب قوله.
وبين أن "حمل الجنسية لا علاقة له بحق العودة، حيث لا ينتقص منه ولا يسقطه، فممارسة حق العودة تتم دون المساس بحقوق الشخص في الأردن".
وقال لـ "الغد" إن "حق العودة طبيعي حسب قرارات الشرعية الدولية"، موضحاً أن "القرار الدولي 194 أكده ولم ينشئه، فيما كررته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ إصداره (العام 1948) لأكثر من 130 مرة، ما حوله إلى قانون دولي عرفي ملزم".
وأشار إلى أن "حق الأردني من أصل فلسطيني بالحقوق السياسية مؤسس منذ انتخابات عام 1950، ولكن نشأت فئة في الأردن تمجد الأحكام العرفية وتتمسك بالوضع اللاديمقراطي بذرائع مختلفة، منها "الوطن البديل"، لانتقاص حقوق الأردنيين من مختلف المنابت والأصول".
ورفض الربط بين الإصلاح والتوطين، منتقداً مسعى الولايات المتحدة غير المعنية بالإصلاح والديمقراطية في الأردن، وإنما خدمة مصالحها في المنطقة".
وانسجم الطرح الأخير مع غياب مضامين الخطابات الرئاسية الأميركية لدعم إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 ونيل "فلسطين مقعد عضو في الأمم المتحدة"، عند الاقتراب من موعد الحسم الانتخابي.
ويلاحظ راهناً تطرف الإدارة الأميركية في "ولائها" الصهيوني وتنصلها من كل ما يضرّ "بالحليف الاستراتيجي"، في ظل ما تعانيه من مآزق داخلية وخارجية، بما يجسد الهوّة الواسعة بين الأقوال، كالوارد في خطاب القاهرة (2009) والجمعية العامة للأمم المتحدة (2010) والثالث الموجه للعالم العربي والإسلامي (أيار/ مايو 2011)، والأفعال، حيث تبدلت مواقفها من قضايا المنطقة، حتى بلغت التطرف بتذبذب سلوكها حيال أنظمة الدول العربية التي جرت فيها، وما تزال، ثورات التغيير، ما ولد استياء عربياً، بعد اتساع نطاق فقدان الثقة منذ مواقف واشنطن المتأرجحة من ثورات الربيع العربي .